الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات الـــــــــرأي الــحــــــــــر: هل يمكن لحزب النهضة أن يحكم تونس من جديد؟

نشر في  05 فيفري 2014  (09:36)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب التذكير بأنّ الشعب التونسي منتوج تاريخي ساهم في صقله البرابرة والفينيقيون والرّومان والعرب والمسلمون والأتراك والفرنسيون وعدة حضارات أخرى أخذنا منها شيئا من المعرفة ونمط العيش.. ثم خلال النصف قرن المنصرم، نحت التعليم وحقوق المرأة والنظام الصحّي والسياسة الاجتماعيّة بنقائصها شخصيّة متفتّحة ساهمت في انفتاح تونس على العالم الغربي بفضل التلفزات والسياحة والثّقافة والفنون.. كل هذه العوامل «صنعت» شخصيّة تونسية وسطيّة ترفض كل أشكال التطرّف وتطمح «للفرحة» أي ضدّ ثقافة التشدّد والحزن والعنف وخطب أناس عاشوا في قطيعة مع الشعب وأوتوا مشروعا سياسيا دينيا غريب عن هوية الشعب التونسي، مع التذكير بشيئين أساسيين: منذ الاستقلال درس في الجامعات أكثر من مليوني طالب وطالبة، لا يحقّ لأيّ حكومة أن تتعامل معهم وكأنّهم قطيع يجب «أسلمته» ولو بصفة تدريجيّة.. ثم هل ننسى أنّ ما يناهز 60 ٪ هو عدد الطالبات في الجامعات، وهذا المعطى يفرض عدم المساس لا بحقوق هذه النّخب ولا حتى التفكير في مراجعة حقوق المرأة..

والأهمّ من كلّ هذا هو انّ الأغلبية الساحقة للشعب التونسي بطبيعته الوسطية رافضة لأيّ نموذج ايديولوجي أو ديني متشدّد يسيء لتراثنا الذي ينبذ كلّ تطرّف، وإن تعاطف معه بعض الآلاف من السياسيين والشباب المنغلقين الذين يريدون فرض نمط عيش جديد مصطبغ بالحركة الوهابية الرّجعية التي تعتبر شعبنا قاصرا يجب جرّه للجنّة بالسلاسل! إضافة إلى هذه المعطيات يجب التذكير بدور الإعلام الذي لا يرضخ وأيضا بدور اتحاد الشغل المحوري في الدّفاع عن وسطيّة المجتمع التونسي ورفضه لأيّ مشروع ديني متزمّت وكذلك بدور أعداد هامّة من الأمنيين والقضاة ورجال الأعمال والحقوقيين وكامل المجتمع المدني والأحزاب الديمقراطيّة  والتقدمية التي تعترض على أيّ حكم ذي صبغة عقائديّة ودينيّة ـ حتى وان كان من دعاته متشدّدون لهم الجنسية التونسية وعقيدتهم أجنبية ـ غريب عن تراثنا واسلام جامع الزيتونة المغمور...
أمّا بالنسبة الى النهضة وبرامجها أذكر أنّي كتبت خلال سنة 2002 افتتاحية طالبت فيها بإصدار عفو تشريعي عام لا يقصى منه إلاّ من خطّط ونفذ جريمة دم، أي اغتيال مواطنا تونسيا أو أكثر..

وللأمانة، فإنّ مثل هذا الكلام لم يكتبه سوى قليل من التونسيين لا يوجد من بينهم أيّ إعلامي.. وأقصد من هذا أنّه ليس لي مشكل مع الأفكار الدّينية لحزب النهضة بل أنا ضدّ أيّ حزب يريد فرض أفكاره باستعمال كل أشكال العنف..

وأعتقد انّ لحزب النهضة كثيرا من المشاكل عليه فضّها إذا أراد ان يخوض غمار انتخابات شفّافة بحظوظ في النّجاح.. أولها، ما علاقة هذا الحزب بالتنظيم الاسلامي العالمي الذي له تصوّرات  شمولية تريد فرض اسلام متشدّد حتى وإن كان للسيد راشد الغنوشي دور في «تونسة» نسبيّة لهذا التوجّه! انّ هذا التنظيم الدّيني العالمي يذكّرنا بالتنظيم الشيوعي العالمي في القرن الماضي، و الذي كان يفرض الأهداف والاستراتيجيهات على كلّ الأحزاب الشيوعية في العالم الى حدّ انهيارها.. إنّ مصلحة تونس ليست مرتبطة بقرارات تنظيم «اسلامي» عالمي يطمح لغزو بلدان الاسلام وغيره من الديانات إذا جاءت الفرصة وسمحت بذلك الظروف.. وحسب اعتقادي فإنّه وباستثناء بعض المسؤولين المتشبّثين بهويتهم التونسية وبتراث الزيتونة المعتدل على غرار الأستاذ عبد افتاح مورو، ورغم بعض مواقف السيد الغنوشي والتي جنّبت حزبه مشاكل كبيرة متأتية من ضغوط الصقور، فإنّ مراجعة التشيّع للمنظمة «الاسلاميّة» العالميّة أمر حتمي.. وللمقارنة فقد أصبح الحزب الشيوعي الايطالي حزبا جماهيريا عندما قرّر الانسلاخ من المنظمة الشيوعيّة الدولية، فهل درست حركة النهضة هذا الموضوع الذي جعل منها حركة سياسية تخضع لقرارات أجنبيّة عن تونس! وهل لحركة النهضة القدرة على دراسة وربما مراجعة علاقتها بهذا التنظيم الدولي وتونسة نفسها 10٠ ٪؟، علما انّ هذا القرار سيفقدها مساندة التنظيم وأموالا غزيرة في حين انّها ستربح أنصارا جددا في تونس وتصبح سيّدة قراراتها.

أمّا المشكل الثاني لحركة النهضة فهو غيابها عن تونس بعد أن شنت ضدّها حملة تهديدات وملاحقات ومحاكمات.. فمعظم قيادييها لا يعرفون جيدا مطالب الشعب التونسي وأحلامه ومثقّفيه ونخبه، وهم يجهلون التغييرات الكبرى التي أنجزها الشعب التونسي ولا يمكن المساس بها.. انّ الابتعاد عن تونس والغربة من الأسباب التي أدّت إلى عدم اتخاذ أحسن القرارات نظرا الى جهل النهضة بواقع البلاد وبقائها في السرية،  كما لم يكن لهذه الحركة كوادر يتمتّعون بالخبرة الضرورية أو بالتكوين الكافي لتصريف شؤون هذا البلاد.. إنّ  الأغلبية السّاحقة منهم فشلوا في مهامّهم لأنهم غير أكفاء ولأنهم  فكروا في مصالح حزبهم قبل ان يكونوا في خدمة الشعب، ولأنّهم   خدموا «الجماعة» قبل خدمة الدولة.. انّ نكران ما قدمته الحكومات السابقة طيلة 50 سنة ودور الإدارة المحوري ومساهمة بورقيبة في تكريس مجتمع متفتّح متمدّن سيفضي ـ حتما ـ الى تراجع حركة النهضة خاصّة إذا أصرّت على إقناعنا بأنّ قبل 20١١ كان الشعب التونسي يعيش الفقر والجوع والجهل والظلم!

فإذا لم تتخل حركة النهضة عن جذورها العقائدية، فإنّها لن تنجح في البقاء في السلطة لأنّ أغلبية الشعب  التونسي تريد المحافظة على  حقوق المرأة ودعمها وحرية المبدعين والمفكرين واستقلال القضاء ووسطية نمط عيش التونسيين وتعليما متفتحا على ثقافات العالم مع الحافظة على الهوية والنمو الاقتصادي الشامل والعادل، ولا أعتقد انّ أكثر من ألف تونسي يساندون السيدين اللوز وشورو وأصدقاءهما وأنصارهما في فرض الوهابية  على بلادنا العزيزة.
انّ مستقبل تونس الزاهر سيكون واقعا ملموسا اذا اشترك الديمقراطيون والتقدميّون والاسلاميون «الحمائم» (دون سواهم) في تسيير تونس..


انّ الحركة الدّينية التونسية بحاجة الى مراجعة نفسها وتحديد علاقتها بالدين حتى تصبح حركة سياسية تستلهم أفكارا من الدين لا حركة دينية لها قناع مدني وتحاول أسلمة المسلمين مع التشديد على أخطار ادماج الدين في السياسة على جميع الأصعدة، خاصّة الدين المتشدّد الذي يحاول اركاع الدولة والعباد لرؤيته الضيّقة لعلاقة الخالق بالمخلوق.